لم يوجد أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم دخل في بدعة ولا خالف السنة ولا جماعة المسلمين،ولا خرج على أئمة الدين بل الصحابة كلهم عدول؛ وذلك لأنهم تلقوا الوحي من النبي مباشرة فوصل الإيمان إلى قلوبهم، فلم يكن إيمانهم عن تقليد بل عن فقه واتباع. logo القلوب أوعية؛ منها ما يستوعب الخير، ومنها ما يستوعب الشر. وأفضل القلوب هي التي تمتلئ بالخير،تمتلئ بالعلم وتمتلئ بالدين والعبادة، تمتلئ بالعلم النافع والعقيدة السليمة، هذه هي القلوب الواعية، وهي أرجى القلوب لتحصيل الخير الدين الذي في ذمة من هو قادر على الوفاء يزكى؛ لأنه بمنزلة الأمانة عنده، ويقدر صاحبه أن يأخذه ويتحصل عليه متى طلبه، وأما الدين الذي عند معسر أو مماطل ولو كان غنيا، فإن صاحبه لا يقدر على الحصول عليه، ولو طالبه قد يدعي الإعسار والفقر، فمثل هذا المال كالمعدوم، فلا زكاة عليه إلا إذا قبضه يجوز أن يعلم القبر بعلامات يعرف بها، فقد ثبت أنه صلى الله عليه و سلم لما دفن عثمان بن مظعون جعل عند قبره حجرا وقال: "أعرف به قبر أخي، وأدفن إليه من مات من أهلي". فيجوز أن يجعل علامة كحجر أو لبنة أو خشبة أو حديدة أو نحو ذلك، ليميز بها القبر عن غيره حتى يزوره ويعرفه.أما أن يكتب عليه فلا يجوز؛ لأنه قد نهي أن يكتب على القبور حتى ولو اسمه، وكذلك نهي أن يرفع رفعا زائدا عن غيره. شريعة الإسلام شريعة واسعة كاملة، اشتملت على كل ما تمس إليه حاجة البشر، حاجة الذكور والإناث في الدنيا وفي الآخرة، فذكر الله تعالى نساء الدنيا وجعل لهن أحكاما، وذكر النساء في الآخرة وذكر ثوابهن كثواب الرجال المؤمنين، وفي هذا تمام العدل والحكمة
shape
الرد على ابن حزم
9315 مشاهدة print word pdf
line-top
ابن حزم يذم القياس والمجتهدين

واعلم أن العلماء في هذا المحل يعيبون القياس، ويذمون الرأي، ويقولون: إن من قاس فقد اتبع إبليس؛ لأنه أول ما رد النصوص بالقياس، وعن ابن سيرين -رحمه الله- ما وجدت .. إلا بالقياس، ويكثر في كلام السلف ذم الرأي والقياس.
ومن أشنع من يحمل على المجتهدين في القياس الظاهرية وبالأخص أبو محمد ابن حزم -عفا الله عنا وعنه- فإنه حمل على أئمة الهدى -رحمهم الله- وشنع عليهم تشنيعا عظيما، وسخر منهم سخرية لا تليق به ولا بهم، وجزم بأن كل من اجتهد بشيء لم يكن منصوصا في كتاب الله أو سنة نبيه بأنه ضال، وأنه مشرع.
وحمل على الأئمة، وسخر من قياساتهم، وجاء بقياسات كثيرة للأئمة، وسفهها، وسخر من أهلها، فتارة يسخر من أبي حنيفة -رحمه الله- وتارة من مالك وتارة من أحمد وتارة من الشافعي .
لم يسلم منه أحد منهم في قياساتهم.
ومن عرف الحق عرف الأئمة -رحمهم الله- أنهم أولى بالصواب من ابن حزم وأن ما شنع عليهم فهم أولى بالصواب منه، وأنه هو حمل عليهم وهم أولى بالخير منه، وأعلم بالدين منه، وأعمق فهما لنصوص الكتاب والسنة منه.
وهذا باب كثير فابن حزم يقول: لا يجوز اجتهاد كائن ما كان، ولا يجوز أن يتكلم في حكم إلا تبعا لنص من كتاب أو سنة.
أما من دعا بشيء لم يكن منصوصا في الكتاب ولا السنة فهو مشرع ضال، ويزعم أن ما ألحقه الأئمة من الأحكام المسكوت عنها، واستنبطوها من المنطوقات أن كل ذلك ضلال، ويستدل بعشرات الآيات إن لم تكن مئات الآيات فلا أقل من عشرات الآيات يقول الله قال: اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ والمقاييس لم تنزل علينا من ربنا.
ويقول: قُلْ إِنْ ضَلَلْتُ فَإِنَّمَا أَضِلُّ عَلَى نَفْسِي وَإِنِ اهْتَدَيْتُ فَبِمَا يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي فجعل الهدى بخصوص الوحي لا بخصوص المقاييس.
ويقول: وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ والمقاييس لم تكن مما أنزل الله، ويقول: وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ والقياس لم يكن مما أنزل الله.
ويأتي بنحو الآيات من هذا بشيء كثير جدا، ويقول: إن القياس لا يفيد إلا الظن، والله يقول: إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا .
وفي الحديث: إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث ويقول: إن كل ما لم يأت في نص من كتاب أو سنة لا يجوز البحث عنه ذلك أن الله حرم أشياء، وأحل أشياء، وسكت عن أشياء لا نسيانا رحمة بكم فلا تسألوا عنها ، وفي حديث: ما سكت الله عنه فهو عفو .
ويقول: إن ما لم يأت في كتاب ولا سنة فالبحث عنه حرام، وهو معفو لا مؤاخذة فيه... كما قال: فنحن مثلا وجب علينا صوم شهر واحد من السنة وهو رمضان، وسكت الوحي عن إيجاب شهر آخر فلم يجب علينا إلا هذا؛ لأن ما سكت عنه فهو عفو.
ووجبت علينا الصلوات، وغيرها لم يكن علينا، وإن كان النبي -صلى الله عليه وسلم- في حديث ضمام بن ثعلبة قال: لا، لما طالبه الأعرابي ضمام هل علي غيرها؟ قال: لا إلا أن تطوع أما إنها توجد أشياء لا يمكن أن تكون عفوا، ولا بد من النظر فيها والاجتهاد.

line-bottom